القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
من كتاب المواهب الجلية في المسائل الفقهية للشيخ عبد الرحمن السعدي
12164 مشاهدة
ما يستحب في خطبة العيد

والصحيح أنه يستحب افتتاح جميع الخطب بالحمد؛ الجمعة والعيد وغيرهما؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يثبت عنه أنه افتتح خطبة بغير الحمد؛ ولقوله: كل كلام لا يبدأ فيه بحمد لله فهو أبتر أي ناقص البركة، والقلب يميل إلى استحباب التكبير المطلق في أيام التشريق؛ لأن الله فسرها بالأمر بالذكر فيها، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله ولأن عمر كان يكبر في قبته فيكبر من حوله حتى ترتج منى تكبيرا، والله أعلم.


في هذا ذكر الفقهاء: أنه يفتتح خطبة العيد بالتكبير، فيكبر تسعة تكبيرات سردًا في الخطبة الأولى الله أكبر: الله أكبر الله أكبر تسع، وفي الخطبة الثانية سبع الله أكبر الله أكبر.
ولهم في ذلك أدلة؛ لأن عندهم علم، فلا بد أنهم إما أخذوا ذلك أبًا عن جدٍّ؛ يأخذه الصغير عن الكبير، وإما أن عندهم في ذلك أدلة، وإما أنه من الأمر بذكر الله في قول الله تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ في آيات الصيام: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ وفي آيات الحج وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ فلما جاء الأمر بالتكبير قالوا: يُكثِر من التكبير في خطبتي العيدين، ويبتدؤها بالتكبير، ويكبر في أثنائها.
ولكن المعتاد والمعروف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفتتح خطبه كلها بالحمد، ولم يُنقل أنه يخُص العيد بالتكبير، لم يثبت أنه افتتح خطبة إلا بالحمد، واستدل المؤلف أيضا بهذا الحديث: كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر وفي رواية: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر والمعنى أنه ناقص البركة.
هناك ذكر كلاما يتعلق بالتكبير في أيام العيد. العلماء والفقهاء ذكروا أن التكبير قسمان: مطلق، ومقيد. قالوا: المطلق في أيام العشر كلها إلى صلاة العيد يكون تكبيرًا مطلقًا؛ يكبرون في الأسواق، وفي الطرق، وفي المجتمعات، وفي المساجد، وفي البيوت، يكبر كل على أية حال؛ سواءً راكبًا، أو ماشيًا، أو جالسًا، أو قائمًا؛ لقول الله تعالى: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ الأيام المعلومات وهي أيام العشر كلها.
فدل ذلك على أنه يستحب كثرة ذكر الله تعالى في أيام العشر ومن ذلك التكبير، وذكر بعضهم أنه يتأكد إذا رأى بهيمة الأنعام؛ لأن الله تعالى قال: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ؛ فلذلك إذا رأى شيئًا من بَهيمة الأنعام التي سخَّرها الله تعالى لنا فإنه يُكبر، أو يجدد التكبير.
لكن قالوا: التكبير المُقَّيد يكون بعد الصلوات، بعد كل صلاة يُكبرون تكبيرًا مُقيدًا، كلما صلوا صلاة قالوا: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد؛ من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق الثلاثة؛ أي خمسة أيام: يوم عرفة، ويوم العيد، وثلاثة أيام بعده.
ولكن المؤلف ابن سعدي رحمه الله يقول: القلب يميل إلى استحباب التكبير المطلق في أيام التشريق؛ يعني: أنه يُستحب أن يُكبر في أيام التشريق، كما يُكبر في أيام العشر؛ يقول: لأن الله تعالى خصها بالذكر في قوله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فالأيام المعدودات: هي أيام التشريق، فلماذا قوله: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ العشر يكون فيها ذكر، وأما غيرها فلا يكون فيها ذكر، ولا يكون فيها تكبير؛ فيرى والحال هذه أنه إنما يُكبِّر في أيام العشر، وأما أيام التشريق فلا يُكبرون.
وأما المؤلف فيرى أن التكبير المطلق عام في أيام العشر، وفي أيام التشريق كلها لقوله: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ وكذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل فكلمة ذِكر يدخل فيها التكبير المطلق.
ونقلوا عن عمر -رضي الله عنه- إذا كان في أيام منى أنه يكبر في قُبَّته؛ فيكبر من حوله، ثم يكبر الآخرون الذين يسمعونهم حتى ترتج منى تكبيرا، يمكن أنه تكبير مطلق، كأن يقول: الله أكبر الله أكبر، ويمكن أنه ذكر كأن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ فإن الذكر تعظيم لله، ويُسمَّى تكبيرًا لأنه تعظيم؛ فيدل على أنه يُستحب التكبير المطلق في أيام العشر، وفي أيام التشريق.